الأحد، 25 يوليو 2010

حصار الزمن


د. حسن حنفي




من علامات التقدم أو التخلف فى المجتمعات علاقتها بالزمن وإحساسها به. فالزمان هو جوهر الإنسان الذى يجعله محددا فى الحياة بين الميلاد والوفاة. وهو جوهر المجتمعات، تخلفها أو تقدمها، الذى يجعلها محدودة العمر فى التاريخ. لذلك اهتم به الفلاسفة المعاصرون وجعلوا الإنسان هو الوجود الزمانى عند برجسون وهيدجر. كما اهتم به الاجتماعيون لمقياس تطور المجتمعات، تقدما أو تخلفا فى الزمان. كما اهتم به فلاسفة التاريخ لتحديد أعمال المجتمعات فى التاريخ وأحقابها المختلفة ودوراتها التى قد تبدأ ثم تعود من جديد.


وأبعاد الزمن ثلاثة، الماضى والحاضر والمستقبل. يقرر ذلك العقل البديهى والإحساس العام. ويؤكده الفلاسفة المعاصرون كأبعاد ثلاثة للوجود الإنساني. وبالرغم من هذا التمييز بين أبعاده الثلاثة إلا أنه زمان متصل، جوهره السيلان الدائم، الماضى يصب فى الحاضر، والحاضر يتجه نحو المستقبل. الحاضر نهاية الماضى وبداية المستقبل. لا يتوقف الماضي. ولا يغيب الحاضر. ولا ينعدم المستقبل. الماضى يمد الحاضر بتجاربه الذاتية ويصبح وعيا تاريخيا أو ذاكرة جماعية. والحاضر تتراكم فيه خبرات الماضى وتتحول إلى عمق تاريخي. والمستقبل تطور طبيعى للماضى والحاضر ونتيجة لمقدمات يستطيع الحاضر أن يتنبأ به فى "سيناريوهات" المستقبل.

أما العربى فإنه محاصر فى الزمن بين هذه الأبعاد الثلاثة التى تمثل ثلاثة حوائط فى وعيه الذاتى تمنعه من الحركة إما عن طريق استرجاع الماضى أو الإحساس بالحاضر وتشخيصه فى أى مرحلة من التاريخ هو يعيش أو الإعداد للمستقبل وأى المسارات الممكنة يمكن تحقيقها. فالماضى حقيقة فى ذاتها. مازال مسيطرا عليه، طاغيا على الحاضر والمستقبل. نتحدث عن ظهور الإسلام وكأنه حدث البارحة، والصحابة وكأنهم موجودون بيننا، والتابعين وكأننا نحن أحفاد لهم. الأمس هو اليوم والغد. لذلك يسهل ظهور الحركات السلفية التى تريد إرجاع الحاضر إلى الماضي. فلا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها. ونسى تأويل (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات). وأحاديث مثل "خير القرون قرنى ثم الذى يلونه". فالتقدم إلى الوراء. والحاضر يرجع إلى الماضي. هذا هو طريق المستقبل. أصبح الماضى يكبل الحاضر ويمنعه من الانطلاق نحو المستقبل. فى حين أن الماضى انتهى عصره، وانقضى زمنه. والتاريخ لا يرجع إلى الوراء. والزمن أيضا حامل التاريخ فى تقدم مستمر، من الأمس إلى اليوم إلى الغد.

مازلنا فى العقائد نتحدث عن الشيعة والسنة، والمعتزلة والأشاعرة، والإمامية والزيدية، والمرجئة والخوارج وكأنها فرق نشأت اليوم وليس منذ أربعة عشر قرنا. فى ظروف معينة، وهو الخلاف على الخلافة. ولم تعد هذه الظروف قائمة الآن. ندخل فى معارك لسنا ظرفا فيها، عليا ومعاوية، الحسين ويزيد، الفتنة الكبرى والفتنة الصغري. ونحكم من على حق ومن على باطل، من المظلوم ومن الظالم. مازلنا نكفر من حارب عليا. ولا نجاهد إلا بعد ظهور الإمام المعصوم. نتحدث عن عقائد وفى الحقيقة مذاهب سياسية نشأت فى ظروف تاريخية معينة. وقد تغيرت هذه الظروف الآن. وألغيت الخلافة فى 1924. ووقعنا جميعا تحت الاحتلال الغربي. ثم قمنا بحركات تحرر وطنى حصلنا فيه على الاستقلال. ثم ضاع هذا الاستقلال من بين أيدينا فأصبحنا دولا حليفة و تابعة لاستعمار الأمس. وعاد الاحتلال من جديد إلى العراق وأفغانستان. ومازالت فلسطين وسوريا ولبنان واقعة تحت الاحتلال الصهيوني. فأين نحن الآن من سقيفة بنى ساعدة، والبيعة الصغرى والبيعة الكبري، ومن أحق بالخلافة، عثمان أم علي؟

مازلنا نكرر التراث القديم وكأن الأمة لا تستطيع إلا أن تنتج تراثا واحدا فى مرحلة تاريخية واحدة هى المرحلة القديمة. نكرر فى الفقه المذاهب الأربعة، مالك وأبا حنيفة والشافعى وابن حنبل وكأن الأمة لم تستطع أن تنتج مذاهب فقهية جديدة منذ منتصف القرن الثالث حتى الآن على مدى اثنى عشر قرنا، وكأن الظروف لم تتغير والمصالح لم تتبدل. ومازلنا نضع فى كتب الفقه الحديثة موضوعات الفقه القديم بما فى ذلك السبايا والغنائم والرق. وهى موضوعات تجاوزها الزمن. مازلنا نبدأ بالعبادات ونثنى بالمعاملات وكلنا يعرف كيف يتوضأ ويصلى ويزكى ويصوم ويحج ولا أحد منا يعرف كيف يتعامل مع النظام العالمى الجديد، والعولمة، والأزمة المالية، والعلاقات الدولية والحرب والسلام، والسلاح النووى بالرغم من اجتهادات الفكر السياسى الإسلامى الحديث. مازلنا فى الفلسفة نكرر الكندى والفارابى وابن سينا وابن رشد وابن طفيل وابن باجة والرازى الذين تعاملوا مع الفلسفة اليونانية والرومانية غربا، والفارسية والهندية شرقا ولا نتعامل مع الغرب الحديث أو الشرق الحديث وكأن الفلسفة الإسلامية فترة واحدة فى تاريخها وليست نتاج كل عصر إذا ما تغيرت الأطر الثقافية والحضارات المجاورة. ولا يوجد فلاسفة إسلاميون إلا فى القليل النادر يتعاملون مع الفلسفات الحديثة غربا عند ديكارت وكانط وهيجل وبرجسون وهوسرل أو شرقا عند فلاسفة الهند والصين واليابان المحدثين. ومازلنا نستعيد التصوف القديم بمقاماته وأحواله، الصبر والتوكل والرضا والقناعة والخوف والخشية، وكلها قيم سلبية نشأت فى ظروف معينة عندما صعب تغير الواقع بالفعل بعد استشهاد أئمة آل البيت فى مقاومة الظلم وأصبحت المقاومة طريقا مسدودا. فتحولت إلى مقاومة أهواء النفس والصعود إلى أعلى بعد أن استحال التقدم إلى الأمام. أصبحنا نعيش فى عصر ونكرر إنتاج عصر، مضي. نعيش بأجسادنا فى عصر وروحنا مازال يعيش فى عصر ولي.

طغى إنتاج الماضى على الحاضر فلم يعد له إنتاج. فقد استسهل استرجاع الماضى والاحتماء به على أن ينتج هو إنتاجه الخاص. "هم رجال ونحن رجال نتعلم منهم ولا نقتدى بهم". خنق استرجاع إنتاج الماضى إبداع الحاضر وأضعف ثقته بالنفس وقدرته على مجاراة القدماء ومنافستهم بل وتجاوزهم. تحول الحاضر إلى مجرد ناقل من القدماء مكررا لإبداعاتهم مخفيا وراءه عجزه عن مجاراتهم. وفضل فريق آخر النقل عن الوافد الغربى يجد فيه ضالته ويقلد نموذجه للتحديث الذى أثبت نجاحه فى الغرب ولا يستحيل نجاحه فى مناطق أخرى منذ الثورة الكمالية فى تركيا. فنشأ تيار التغريب أو الانبهار بالغرب كرد فعل على الفريق السلفى والانبهار بالقدماء. وازدوجت الثقافة ومصادر المعرفة والتشريع. بل نشأ صراع على السلطة الاجتماعية والسياسة من أجل نقل الحاضر إما إلى الماضى كما يريد السلفيون وإما إلى المستقبل كما يريد العلمانيون. وكلاهما قفز، قفز إلى الماضى والسير ضد الزمن أو القفز إلى المستقبل دون إعداد الحاضر والمرور بالمراحل المتوسطة. وفى كلتا الحالتين يغيب الإعداد الواعى التدريجى إلى المستقبل، والتعرف على مساراته الممكنة، تجزئة إلى كيانات طائفية عرقية كما نشاهد فى العراق والسودان والصومال واليمن أم وحدة وحماية الأجزاء بدخولها فى كل واحد؟ ابتلاع الأجزاء فى دوائر خارج عن دائرتها تسمى العولمة أو مجموعة الثمان أو التجمع من أجل المتوسط أو الشرق الأوسط الجديد أو حماية الأجزاء فى تجمعات إقليمية مثل الوطن العربى أو مجموعة الثلاثة، مصر وإيران وتركيا أو فى وحدة المغرب العربى أو وحدة مصر والشام أو وحدة وادى النيل.

لا يفك العرب عن أنفسهم حصار الزمن إلا إذا أحسوا به وبتغيره، وأن لكل عصر رجاله وقدرتهم على الإبداع. لا يفيد الاستمرار فى البكاء على ضياع الماضى الذى ولي، وهو مازال حاضرا أكثر من الحاضر، ولا على المستقبل المظلم المرهون بسيطرة الآخرين عليه. الماضى تجربة واحدة فى عصر واحد قامت بها عدة أجيال ولت. والحاضر مفتوح أمام أجيال جديدة بدلا من أنينها تحت ثقل الماضى وغموض رؤيتها للمستقبل. والمستقبل ليس فى الهجرة خارج الأوطان، شرعية أو غير شرعية، أو فى استيراد وافد أبدعه آخرون فى فترات زمانية لفترتنا التى نمر بها بل فى القدرة على رؤية عدة سيناريوهات له. تتحقق إحداها طبقا لتجارب الماضى والإحساس بالحاضر، طاقاته ومكوناته واستعداداته لفك الأسر ورفع جدار الزمن.

عوائق الديموقراطية في العالم العربي

عبد الرزاق عيد:


الحلقة الأولى من النص الكامل للمحاضرة التي ألقاها المفكر السوري الدكتور عبد الرزاق عيد في باريس بدعوة من لجنة إعلان دمشق في فرنسا تحت عنوان: عوائق الديموقراطية في العالم العربي (سوريا نموذجا)...


الديموقراطية قرينة الحرية ونتاجها الاشتقاقي، أو لنقل: هي تمثيل وتمثل للحرية في ساحة السياسة.. ساحة السياسة (مبدأ التفاوض والحوار )، ولدت كبديل عن ساحة الحرب (مبدأ تحطيم الآخر)، وظل الاشتباك بين هاتين الساحتين حتى لحظتنا الراهنة، حيث بمقدار ما تتسع ساحة السياسة: حرية وديموقراطية وحوارا وتعددا وتسامحا وقبولا بالآخر، بمقدار ما تضيق ساحة الحرب: على مستوى الأفراد والشعوب، وعلى مستوى علاقات القوى والمجموعات والمكونات للمجتمع والدولة الواحدة، وصولا إلى ساحات الحروب على المستوى علاقات الدول عالميا.

وفي المقابل إذا كانت فكرة العدالة هي المثل الإنساني حيث معادلها (الحكمة والرشاد) في العصور القديمة، وعلى هذا فقد اصطلح العرب المسلمون على اعتبار أن (الخلافة الراشدة) هي الذروة العليا للمشروعية التي تجسد اللحظة المثالية في تاريخ مسارهم السياسي نحو العدالة وعمادها والمساواة،، حيث كان على الرشاد البشري أن يرتقي سموا ليحل محل صدوع أمر الوحي النبوي بالحقيقة من أعلى، وذلك بعد وفاة النبي، حيث لابد عند الانتقال من زمن النبوة الموجهة سماويا إلى زمن الممارسة البشرية، من أن تتخلق هذه الممارسة بأخلاق النبوة (رشدا ورشادا) واجتهادا وتأويلا لفحواها الإلهي بعد أن توقف وحي السماء برحيل متلقيه المصطفى.

نقول: إذا كانت (العدالة) بمعادلها (الرشيد) كثفت المثال الإنساني خلال حقبة تاريخية طويلة، فإن العصر الحديث سينتقل بمثال (العدالة) نقلة نوعية على طريق تحققها، حيث سينمذج مثاله الإنساني في فكرة (الحرية)، ومعادلها السياسي في الديموقراطية كتتويج فعلي وأكثر ملموسية واقعية لتحقيق العدالة التي شغلت البشرية منذ فجر التاريخ، فإن اكتشاف عصرنا المميز للعصر هو في توصله إلى أن (العدالة بلا حرية) مستحيلة، ولا يمكنها في أحسن حالاتها-بدون الحرية- أن تنتج سوى مساواة في العبودية عندما تلغى الفروق والتمايزات المؤسسة لفلسفة الفرد لصالح القطيعية (الرعية- الرعوية). وعلى هذا فإن حلم البشرية في (العدالة) ظل يبحث عن الحاكم الرشيد القادر على تحقيق العدالة، فعرف التاريخ البشري الكثير من الشخصيات العظيمة الراشدة في ممارستها الحكم على طريق تحقيق حلم العدالة،حيث ثمة لكل الأمم في تاريخها رموز لصورة الحاكم العادل، لكن الظلم بقي –مع ذلك- هو الأقوى والمتغلب...

مع لحظة الحداثة،العصر الحديث، اكتُشف أن مسير ومصير العدالة أهم بكثير من أن تناط بمصير فرد مهما جل شأنه، وأعظم شأنا من تختصر في البحث عن هذا الفرد (المستبد العادل )، فلا بد إذن من مبدأ (الحرية) لتحقيق مبدأ (العدالة)، فكانت الديموقراطية بمثابة التطبيق الإجرائي لمبدأ الحرية من خلال الانتقال بفكرة العدالة من الفرد إلى المؤسسة عن طريق التوسيع المتطور لساحات السياسة على حساب ساحات الحرب على مستوى المجتمع الوطني والمجتمع الدولي، لتغدو الديموقراطية هي آخر كشوف المسار الإنساني لتحقيق العدالة في كل مالها وما عليها في زمننا الراهن، لكن أهمية هذا الكشف الإنساني تكمن في أنه اكتشاف متحرك مفتوح على لانهائية الكمال الإنساني الذي لن يتحقق ما لم يتحقق الشوق البشري للاتحاد بالمطلق، ومن هنا كان البعد الكوني في الديموقراطية حيث كانت ولا زالت توأما لولادة مبدأ حقوق الإنسان.

ومن هنا كانت الديموقراطية مسألة إشكالية: أي بمقدار ما هي حل فهي مشكلة، بما يعني أنه بمقدار ما تنتج من حلول فهي تنتج الأسئلة مثلها في ذلك مثل العقل العلمي الحديث الذي يؤسس لتاريخ علمي جديد فحواه أن العلم هو تاريخ أخطائه وليس تاريخ انجازاته وتلك هي نواة العقل النقدي الحديث، فكذلك الديموقراطية هي تاريخ أخطائها وليس انجازاتها وذلك هو معنى حداثتها...

إذن تكمن إشكالية الديموقراطية ككل إشكالات مفردات العقل الحديث في كونها دائما يعتورها النقصان، لكونها طريقا لبلوغ هدف الكمال البشري وليست الهدف ذاته، باعتبار أن فلسفة هذا هدف الكمال تتأسس على منطق الحقيقة النسبية التي يجب اكتشافها دائما على طريق الكفاح الإنساني من أجل كسبها دائما من جديد، وذلك لأن مراكمة منجزاتها الكمية ستستدعي دائما كليات نوعية جديدة.

بيد أن النقص في الديموقراطية هو عنصر عضوي في بنيتها التكوينية الصيرورية غير المكتملة، حيث لا يمكن أن تحل مشكلة نقصانها من خارجها وإلا كان المآل الاستبداد، فحلول مشكلات الديموقراطية تكمن في داخل نسقها، أي في مزيد من الديموقراطية على طريق الحرية، فجدلها على طريق تحقيق ذاتها هو جدلها ذاته على طريق إنكار ذاتها المتقادمة...

أو العكس: حيث جدلها على طريق إنكار ذاتها هو طريقها لتحقيق ذاتها بذاتها ولذاتها.

الديموقراطية حتمية نسبية: تتأتى حتميتها من كونها خيارا تاريخانيا على طريق الحلم البشري بتنوع وتعدد الأحلام بالحرية والعدالة...أما نسبيتها فإنها تتأتى من تنوع أشكالها وصيغها الثقافية والسياسية لتحقيق " الحرية المجسّدة" حسب تعبير ماركس، والتجسّد في الديالكتيك الهيغلي هو التعيّن، والتعيّن هو حضور المطلق في النسبي، حيث تتجسد هذه الحرية في طوبى الشيوعية التي حلم بها ماركس ومئات آلاف الملايين من الحالمين بالعدالة، لكنهم عندما جربوا طريق القسر والإرغام والإكراه فشلوا وذهبت ريحهم، فكان لابد من الديموقراطية طريقا حتى للشيوعية ذاتها إذا كان ثمة من يحلم بطوباها، لأن الناس لا يحبون أن يساقوا سوقا حتى ولو إلى الجنة...!

حلم الخلفاء الراشدين في تحقيق العدالة من خلال تحقيق روح النبوة في استخلاف الإنسان إلهيا على الأرض ظل ينوس أخلاقيا بين النبل الإنساني بين العمرين: (عمر بن الخطاب إلى عمر بن عبد العزيز )، لكن مع ذلك ظلت (الفتنة الكبرى) على حد تسمية طه حسين لها، مستمرة وهي تغرق تاريخ المسلمين بالدماء حتى اليوم، وذلك لأنه تغلب فيها التاريخ السلطاني على التاريخ الراشدي... فكان لابد من "العقد الاجتماعي" البشري (المؤسساتي ) حسب أطروحة طه حسين التي حكمت كتابته لتاريخ (الفتنة الكبرى)، أي لا بد من مأسسة (الرشد والرشاد) بشريا لبلوغ النموذج المثالي لحلم العدالة الإسلامي إلهيا،أي لابد من الديموقراطية...

فالإسلام والعروبة أو الكردية لن تحقق حلمها الإنساني في الحرية والتحرر إلا بالديموقراطية، فلا وحدة عربية، ولا حرية ولا اشتراكية إلا بالديموقراطية، حيث انهيار كل هذه المعاني في حياتنا برهان على ذلك... كما ولا حل لإشكالية وجودنا الوطني والقومي في اصطدامه مع المشروع الصهيوني إلا بالديموقراطية، وإلا فإن برامج (حزب الله وحماس) لن تكون سوى إعادة مقولة القول للخطاب الشعبوي القومي واليساري الإنشائي المتفاصح خلال أكثر من ستة عقود من الردح الإيديولوجي في سوق المزاد الشعاري أو "شعارية المزاد"، على حد تعبير الراحل محمود درويش، هذا السوق المزادي هو ذاته الذي ورثته اليوم (النجادية) بنسختها الإيرانية بل والعربية، أي إعادة إنتاج الهزيمة وإيديولوجيا الهزيمة ما لم تكن الديموقراطية خيارا استراتيجيا، أي ليس خيارا سياسيا فحسب، بل وحضاريا وثقافيا، فكما لا يفلّ الحديد إلا بالحديد، فلا يفلّ الحداثة الديموقراطية الإسرائيلية إلا بالحداثة الديموقراطية العربية، وما عدا ذلك لغو وهذر ومكر وشعوذة كما كان يصف خالد العظم الذي كان رمز (ذروة المشروعية الدستورية السورية) همروجات ( الخطاب الشعبوي اللفظي) عن الوحدة والتحرير والاشتراكية...

من (خالد العظم) الديموقراطي الليبرالي الدستوري إلى (خالد مشعل ) السياسي الإسلاموي (الأسدي)، يمتد مستنقع من جثث الكلمات الكبيرة للعنتريات التي ما قتلت ذبابة، ومع ذلك يصر خطاب (مشعل الإسلاموي)، و(عزمي بشارة) المفكر اليساري، بل واليسار الفلسطيني عموما على نرجسية وطنية فلسطينية ذاتية عديمة المردودية لفلسطين والعرب، عندما تكون على حساب أنقاض حياة أخوتهم العرب في الحرية والكرامة التي لا تقل نقصانا عن نقصانها فلسطينيا، وكأن مشكلتهم مع الحرية استثناء في منطقة الرعب العربية، لكي يجندوا الجميع في سبيل قضيتهم الفلسطينية التي لا نشك بعدالتها، ولو عبر سكوتهم عن الرعب النظامي العربي-بل وتبريره وشرعنته- الذي "يطال الأجنة في الأرحام التي لم تخلق" على حد مديح الشاعر العربي القديم لمهابة ورهبة وعظمة خليفته!؟

بل تبلغ المفارقة ذروتها أن مشعل وأخوانه يرفعون صوت حريتهم من على منابر- وبالتحالف- مع دمشق التي حولتها الطغم المافيوزية إلى عاصمة كوابيس الرعب العربية ضد حقوق الإنسان السوري، بعد الوراثة الرفاقية (البعثية) لدور عاصمة الرعب عن بغداد غبّ سقوط صنمها... يقف بعض الأخوة الفلسطينيين على أنقاض دمشق (العظم) رمز الحرية والثقافة والمدنية والسلوك المتحضر قبل أن يجتاحها الرعاع والعسكر والشعارات الزاعقة بعروبة متآكلة وفلسطين متناثرة تناثر شعاريتهم التي لم تكتشف عروبتها إلا في التعريف الفقهي الولايتي لملالي طهران...

إن الحريات هي مشكلة المنطقة العربية بكاملها وليست مشكلة فلسطين وحدها، ومأساة غزة ليست أكثر عمقا أو جرحا من مأساة سوريا، وآن الأوان للقول الصريح والعلني وبالفم الملآن من غير المعقول أن نتضامن مع حماس غزة إذا لم تتضامن حماس غزة مع شعبها السوري الأسير...ناهيك عن زيارات (مشعل وإخوانه وبشارة ورفاقه) التبجيلية لضريح وثن الطغيان (الأسدي) تعظيما وإجلالا لسفاح سوريا وفلسطين ولبنان...!!!!

لقد آن الأوان لتعريف الاستبداد بالدلالة المعرفية والسياسية وليس بدلالة الهوية، بحيث لا يدان سوى الطغيان الإسرائيلي بينما يسكت بل ويدافع عن الطغيان العربي لأنه (عربي شقيق)، فلم يعد مقبولا من المناضل الفلسطيني هذه (النرجسية الوطنية)، التي لا تلاحظ إلا معاناتها حتى ولو كانت على حساب معاناة الأخ والشقيق، ولم يعد مقبولا إطلاق أصوات الحرية والتحرر الفلسطيني من دمشق، بينما المئات من المثقفين والصحفيين من قادة إعلان دمشق في السجون:(سيدة سوريا الأولى) الدكتورة فداء حوراني، ونائب دمشق نبيل سوريا (رياض سيف ) وشيخ الحقوقيين السوريين (هيثم المالح ) وبراءة سوريا الطفلة (طل الملوحي)، وقد ذكرنا هذه الأسماء كرموز دالة على شرائح ومجموعات تقبع في السجون والمعتقلات، حيث بات المثقف السوري يحسد المثقف الفلسطيني على سقف الحريات التي يعيشها في ظل الاستيطان الإسرائيلي إذا ما قورن بالاستيطان المافيوي المخابراتي في سوريا...

لا يمكن أن تكون حرية الأخ الفلسطيني أهم وأولى أو بديل لمشكلة أخيه المواطن السوري مع الحرية لكي يتضامن مع حرية الشقيق الفلسطيني، بينما هو يسكت عن حرية شقيقه السوري، بل يدعوه إلى مزيد من التنازلات عن حريته وكرامته لطغاته، وذلك كما تدعو حماس الأخوان المسلمين السوريين إلى مزيد من إهانة النفس، بل ودعوة حزب الله لشكر (سوريا الأسد)...

إن الفلسطيني لن يبلغ حريته يوما، ما لم يرتق وعيه بالحرية إلى المستوى الكينوني الإنساني، حيث كما الحرية لا هوية لها، وكذلك الاستبداد لا هوية له، فالبوط (الجزمة) الذي يوضع على العنق الإنساني، إنما تعريفه هو البوط إياه (جزمة)، كما العنق هو العنق، فهوية البوط لا تقلل من تعسفه وقهره وإذلاله، أي ليس مهما نوع هويته إن كان عربيا أم صهيونيا يهوديا أم مسلما... والعنق البشري هو العنق الإنساني عربيا كان أم كرديا أم فلسطينيا أم مسلما أم مسيحيا...

mr_glory@hotmail.com

• كاتب سوري

---------------

من الديكتاتورية (الناصرية) النزيهة إلى القرصانية (الأسدية) اللصوصية 2

عبد الرزاق عيد

السبت 12 حزيران (يونيو) 2010





--------------------------------------------------------------------------------



هذه الحلقة الثانية من النص الكامل للمحاضرة التي ألقاها المفكر السوري الدكتور عبد الرزاق عيد في باريس بدعوة من لجنة إعلان دمشق في فرنسا تحت عنوان عوائق الديموقراطية في العالم العربي (سوريا نموذجا) (2)

*

ما هي العوائق التي تقف حائلا دون الانتقال إلى الديموقراطية في بلادنا إذن؟

لا شك أننا سنسارع إلى الإجابة دون كبير عناء، وهي أن هذا العائق قائم أمامنا صريحا ظاهرا صلدا كجدار وهو جدار النظام العربي المتغّول والأشد شراسة في العالم، ولعل شراسته تتأتى من واقع أنه يستحوذ استحواذا مطلقا على بلاده، مما لا يمكن له تخيل أن يعيش بدون هذه الأملاك (الأوطان) التي راح يستشعر أنها مخادعه الداخلية ...فخسارة السلطة هي خسارة للذات بعد أن توحدت مع الأشياء التي يمثلها لهم الوطن كملكية شخصية ... هذا الأمر ينطبق-في كل الأحوال- على الديكتاتور المحترم الذي لا يسرق من بلاده بعد أن تماهى معها أو تماهت معه، فراح يعتبرها بكليتها ملكيته الشخصية كنماذج مثل ستالين – هتلر – ماو تسي تونغ ، وإسلاميا الخميني، وعربيا جمال عبد الناصر ...فهؤلاء جميعا لم يسرقوا من بلادهم، وغادروها لا لهم ولا عليهم وفق النموذج (الخطابي)، نسبة إلى عمر بن الخطاب صاحب هذا القول الشهير :" أن أخرج من هذه الدنيا لا ليّ ولا عليّ " ، لكن باستثناء جمال عبد الناصرعربيا، فإن كل الديكتاتوريين الذين عرفهم العالم العربي بعده من نوع اللص الصغير الدنيء في صورة قرصان مريض مزمن بالجوع والنهم، فهو لا يشبع لأن جوعه بلا قرار، لن نتحدث عن نماذج مثل صدام حسين والقذافي ما دام موضوعنا (النموذج السوري) ، فقد سبق لنا أن تحدثنا عن أحد القادة الأمنيين الذي رد على سماه مبالغات المعارضة السورية في الحديث عن النهب (الأسدي) لسوريا، بأن برأ حافظ الأسد قائلا: بأن ثرواته في البنوك الخارجية لا تتجاوز (8) مليارات دولار، وأنه لا علاقة له بمليارات ابنه (الشهيد باسل)، ولا بمليارات أخيه (القائد رفعت)، أو أخيه البرلماني شيخ جماعة المرتضى ( الأستاذ جميل)، أو شيخ الجبل... وآخر شيخ السهل وشيخ البحر وشيخ الأرض وشيخ السماء وشيخ المعلوماتية ... ومن والاهم من الأقربين من شيوخ الكومبيوتر والنت... ويتساءل مصدر هذه المعلومات ماذا تنتظرون وتتوهمون؟ هل تصدقون أن يقتنع هؤلاء منكم بالتداول السلمي للسلطة واللجوء إلى صندوق الاقتراع والقبول بحكم الأغلبية الانتخابية؟

على كل حال فقد أجاب على هذا السؤال كبير الموظفين الإداريين الذي يشتغل لدى المؤسسة العسكرية (الأسدية) بمرتبة موظف وزير دفاع كعماد بالنياشين قائلا: "أنهم حصلوا على السلطة بالبندقية ولن يسلموها إلا بالبندقية...!!!)، فقطعت جهينة قول كل خطيب!

إذا لننتقل إلى السؤال الأصعب، وهو سؤال موقف المجتمع والنخبة تجاه هذه الديكتاتورية القرصانية المافيوية الصريحة... التي لا يتردد الكثيرون من ممثلي نخب السياسة والمجتمع أن يصفونها بالوطنية والمقاومة والممانعة والصمود والتصدي...! حيث يكفي أن يكون في المجتمع السوري قوى سياسية يفترض أنها معارضة، ولكنها ترى أن نظامها صامد ومقاوم وهي تلتقي معه على أن ذلك هو أولى الأولويات لكي يطرح السؤال حول مدى حضور الديموقراطية في نسيج البنية السياسية العربية والسورية بخاصة لكونها تعتقد – والأمر كذلك- إن الاغتصاب الخارجي وحده المرفوض بينما يمكن قبول الاغتصاب الداخلي ما دام المغتصب يجأر بالصوت أنه يدافع عن الشرف خارجيا...! وكأن اغتصاب الداخل ضرورة للمغتصب لكي يقاوم اغتصاب الخارج، حيث ربما أن أصوات الاحتجاج على الاغتصاب الداخلي تشوش على الممانع والمقاوم تمتعه باغتصابه، حيث تحول دون انتعاظات تمنعه ومقاومته فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة ...ولهذا لم يصدر أي صوت بالاحتجاج والرفض والإدانة من قبل القوى الديموقراطية في سوريا عند "غزوة بيروت"، إلا مجرد احتجاجات ثقافية فردية مثلما فعلنا،" فحزب الله حزب مقاوم فمن حقه أن يغتصب أهله ليتمكن من المقاومة ...

هذا ليس احتيالا والتفافا حول المفاهيم الديموقراطية الحديثة بل هي تتعارض مع البداهات التي يختزنها اللاشعور الثقافي الجماعي للبشر، فنحن لسنا بحاجة للحفر الأركيولوجي للبحث عن النماذج البدئية في الثقافة الإنسانية، للقول: إن النموذج البدئي للمحرم يبدأ مع المحرم الأهلي ... وأن الاغتصاب الخارجي يمكن أن يكون له حلول: إما الحرب ضد المغتصب لطرده واستعادة السبايا، أوالسلام (الزواج) ومن ثم سقوط معنى الاغتصاب ...أما الاغتصاب الداخلي فقد سمته كل الشرائع السماوية والأرضية بأنه (زنى المحارم)، وهولا حل له لا بالحرب ولا بالسلم فهو (لعنة)... فلنتصور درجة اللعنة التي تلحق بكيانيتنا العربية والسورية أمام حالة الاغتصاب الشامل....!

وقد كان قد سبق لنا من قبل أن تحدثنا عن سوريا (الملعونة)، استنادا إلى الحديث الشريف (لعن الله الراشي والمرتشي)، حيث لا يوجد في سوريا فرد واحد لم يرش أو يرتشي ....حيث يمكن القول: إن لعنة الفساد هذه إنما ترضع من صدر لعنة الاستبداد، الذي يؤسس على ثقافة الخطيئة (اغتصاب المحارم) ... ولهذا علينا عندما نسمع الشاعر طرفة بن العبد يقول:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة..... على النفس من وقع الحسام المهند

أن لا نتوقف عند حدود اعتبار قول (طرفة) هذا مجرد قول شعري جميل، وليس هو مجرد مثل وأمثولة وحكمة، بل هو صوت الجرح الغائر في أعماق التجربة الإنسانية العربية الذي لم يندمل بل يزداد اتساعا ونزيزا وصديدا...

وربما يفسر عمق هذا الجرح أننا لا نزال حتى الآن نتحدث عن السلطة بوصفها العائق الوحيد للديموقراطية ومن ثم تأجيل الحديث عن العوامل الثقافية والاجتماعية والتاريخية ...إذ أن هذه السلطة التي سبق لـ(سمير أمين) أن وصفها بـ(الصنم) الذي لا يشرب خمرته المقدسة إلا بجماجم الضحايا وفق التعبير المجازي لماركس، فهي بسبب تشبثها الدموي و تغّولها ورفضها المستميت للآخر جعلت المعارضة السورية خلال نصف قرن على دين سلطانها تأتمر بأمره وتصدع لرأيه الهابط من أعلى ايديولجيا وسياسيا وذلك هو الجزء الذي ألحقته ببطانتها الفاسدة تحت اسم (الجبهة الوطنية التقدمية) ، أما الجزء الآخر الذي رفض الانصياع للجبهة (الأسدية) ، فقد قضى حياته في السجون نبلا ونزاهة وشجاعة، لكنه لم يتمكن من القطع المعرفي (الابستمولجي) مع إشكاليتها القائمة على اغتصاب الداخل( المحارم) في خدمة الإدعاء بممانعة الاغتصاب الخارجي، دون التساؤل الجوهري حول امكانية مغتصب الداخل أن يقاوم اغتصاب الخارج، وهل يمكن لمن دمر الاغتصاب عالمه الداخلي والقيمي والأخلاقي والوجداني أن يقف على أقدام كرامته المهدمة لينافح عن الكرامة الوطنية والقومية ...!! تلك الإستراتيجية لتعميم التغول السلطوي الطغياني والايديولوجي الإكراهي والبسيكولوجي الاغتصابي يروم تحطيم البداهات حتى ولو كانت بداهات أهلية انثربولوجية تكشف عن أولوية رفض الاغتصاب الداخلي على الاغتصاب الخارجي بوصفها ثقافة الفطرة الإنسانية، إذ عندما يستباح الشرف داخليا لن تقوم للإنسان قائمة للدفاع عن شرف مستباح بالأصل، ولن نتحدث عن دروس الهزائم العربية أمام الخارج كثمرة لهزائمها الداخلية، ولن يكون سقوط بغداد آخر الأمثلة للبرهنة على أن الاغتصاب الداخلي لا يمكن إلا وأن يكون مدخلا وجسرا وتوطئة للاغتصاب الخارجي...

لكن-مع ذلك- فإن الضرورة البحثية والعلمية تفترض بنا أن نشير إلى العوامل الأخرى ومذاهنتها وفق تداولها في النصوص العربية:

طبعا يطيب للكثيرين من النخب أن يتحدثوا عن العوامل الثقافية ليريحوا أنفسهم من وجع السؤال والمواجهة مع الاستبداد وأنظمة الطغيان القائمة والدائمة، فيتم الحديث عن ما سماه ماركس بـ"نموذج الاستبداد الآسيوي"، أوالاستبداد الشرقي ومن ثم الاستبداد العربي، حيث تعارض الهوية البدوية مع قيم الحرية والحداثة والديموقراطية، ومن ثم تقديم النماذج عن إسلام للعنف يقوم على مبدأ التبشير والجهاد، في صورة إسلام سياسوي لا يزال يسوّقه حتى المعتدلون منهم كالشيخ د. القرضاوي، إذ يعرف الإسلام بأنه (مصحف وسيف)، بما يمكن أن يعني أن الذي لا يفهم بلغة المصحف سيفهم بلغة السيف....!

وهي فكرة إستشراقية ظلت تسوق منذ أطروحة غوستاف لوبون المعروف-مع ذلك- بصداقته للعرب حيث يقول (إن سيوف العرب لا بد أن تكون مشهرة، فإذا لم توجه إلى الغير فإنها توجه للنفس"، وصولا لباحث فرنسي شاب جيل كيبل يصدر كتابا تحت عنوان (فتنة) يرى أن الإسلام يتأرجح بين نمطين من الجهاد: جهاد عنف موجه ضد الآخر الخارجي، أو جهاد "الفتنة" حيث العنف بين أجزاء الأمة ذاتها"، وتلك هي الفكرة ذاتها التي عبر عنها (البابا) بحديثه عن التلازم التاريخي بين الإسلام والحرب (العنف)، فنبهنا إلى خطورتها بعد أن كنا نتباهى بها ونفاخر بأنها من خصوصياتنا، حيث بالتناظر كنا نلغي نضاليا كل تراث الفردانية التذوقية الشخصية الناعمة للتراث الصوفي المؤسس على الابتهال والتضرع (خفية وخيفة) وليس تبشيرا ووعظا وإكراها وإرغاما بحد السيف "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" (الأعراف55)، لنلاحظ أن (التضرع) يشترط ( الخفية والخيفة ) وإلا كان (عدوانا)، والخيفة هنا هي مخافة الله وليس تخويف خلقه....حيث سيرد في الذكر الحكيم: "واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال" (الأعراف 205)،هؤلاء "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين"، هذه المعاني الفياضة من نهر الكوثر الإلهي، أتى البابا لينسبها إلى ميراثه ناسيا أو متناسيا التاريخ الصليبي، في حين أن هذه المعاني هي ثمرة روحانية الصوفية الإسلامية في الماضي والحداثة الغربية في الحاضر، حيث الفردانية الروحانية الشخصانية معادل لمفهوم (الفردية ) كنواة مفهومية فلسفية أساسية لمعنى المواطنة في العصر الديموقراطي الحديث، التي تكيفت الكنيسة معها من خلال نهضة الفنون والآداب والتشكيل والموسيقى، حيث (الفردية السوسيولوجية) للحداثة ستعادلها (الفردانية الروحانية) الشخصية في ممارسة حرية التفكير والتعبير والديانة والعبادة.

في حين أن الخصوصية الاستبدادية سيتولى شأنها بحمية عقائدية (قوموية) شديدة مثقفو السلطة في سوريا الذين عايشوا الثقافة الغربية والحفريات في الميدان الانثربولوجي، مما أتاح لهم صياغة أدلوجة تسلطية توضع في خدمة النظام السوري، وأول من اشتغل عليها المثقف الأمني، حيث دفعوا بمقولة الخصوصية إلى الحد أن راحوا يترافعون عن (خصوصيتنا الديموقراطية ) العربية، فكان علينا أن نعتبر (الأسدية ) نسختنا الخصوصية عن الديموقراطية في سوريا، سيما بعد انجازاتها (العلمانية الثورية ) في حماة، وفي أواخر الثمانينات مع (البيريسترويكا) السوفيتية، سيتحدثون عن سبق البيريسترويكا (الأسدية) على بيريسترويكا غورباتشوف، وذلك من خلال الحركة التصحيحية التي أطلقت التعددية الحزبية، ودفعت بحكم الحزب الواحد –المثبت بوحدانيته دستوريا- باتجاه التعددية الحزبية في صيغة (الجبهة الوطنية التقدمية) كما كانت صناجة الإعلام البعثي تنفخ في رئة صنمها المصنوع من القش الذي ستذروه الرياح ما أن سيذوب كهنة ايديولوجيا الملح...!!

وبطبيعة الحال-والأمر كذلك- سيكون هناك نسخة (قذافية وصدامية) عن هذه الخصوصية الديموقراطية العربية...

ستأتي المدارس البنيوية والألسنية المؤسسة على الوضعية المنطقية ابستمولوجيا للحديث عن ضعف الثقافة الديموقراطية مجتمعيا من خلال الحديث عن ضعف النسيج العقلاني في ثقافتنا السياسية من خلال ما سيسميه الراحل محمد عابد الجابري بأن الخطاب العربي المعاصر "هو خطاب وجدان لا خطاب عقل"، وهذا مما سيساعد على نمو وعي شعبوي يعلي من شأن الأنا الغنائية الجمعية العاطفية المشاعرية التي تحل الرغبات محل الواقع على حساب العقلانية وإدراك منطق الواقع دون أن يأكل التشبيه المشبه حسب الياس مرقص، حيث الخطاب البياني القومي البلاغي يحل -حسب الأسلوبيين-الغائب (الهناك ) محل الشاهد (ألهنا) حسب تعبير الان روب غرييه، هذه الرغبوية الذاتية تعتمد الشلف التأويلي العاجز عن إنتاج وعي مطابق في الواقع حسب ياسين الحافظ.

كل ذلك سيحيل دون تبلور وعي بدور الفرد(الديك)، الذي يمكن له أن يستشعر كيانيته (البروميثيوثية ) المتمردة التي تؤسس لوعي إشكالي عصياني بالواقع والثقافة، وذلك لصالح ولادة (الكائن الدودة) المسحوقة، حيث الفرد الرع المشبع بثقافة الخوف والإقصاء والإخصاء...

في مقابله وعلى أنقاضه ستتأسس صورة الفعالية (الجماهيرية )، حيث ما سمي بعصر (الجماهير) التي تفتدي القائد بالروح والدم، إذ بدأت هذه (الجماهيرية) قطيعية حميمية عفوية وصادقة في لحظة ولادتها (الناصرية) التي استبدلت (جماهيريا ) مبدأ (الانتخابات ) بمبدأ(الاستفتاء)، لكنها تحولت إلى طقسية كاذبة وزائفة مرتعشة الكيان خوفا وسحقا وإذلالا مع متناسخي ومماسخي الناصرية في الصورة والهيئة (الأسدية –الصدامية –القذافية ...الخ) ، حيث الدستور السوري (الأسدي) 1973، يتحدث عن الانتخابات والاستفتاءات بمعنى واحد، وهذا ما تحقق فعليا على الأرض من خلال الصلاحيات الأسدية المطلقة التي كرست دستورية الملكية الأسدية لسوريا، قبل تطويبها فقهيا من قبل حزب الله بوصفها (سوريا الأسد)

حالة المواطنة في العالم العربي .. سيادة الاستبداد وغياب القانون


الدكتور عبدالله تركماني:




بالرغم من الاتساع النسبي لدائرة الحقوق المدنية والسياسية والحريات العامة فإنّ حالة المواطنة والاندماج الاجتماعي في أغلب البلدان العربية تتسم بإعادة إنتاج وترسيخ الأطر والعلاقات التقليدية، الطائفية والمذهبية والعشائرية، وما تنطوي عليه من احتمالات حروب أهلية. فإذا كانت الشعوب تنتقل، خلال مراحل تطورها التاريخي، من الأسرة إلى العشيرة ثم إلى القبيلة ثم إلى الوطن والأمة، فماذا فعلنا كي تصبح مجتمعاتنا العربية تتطور وتتقدم وتتكامل بدلاً من دفعها للعودة إلى حروب القبائل والطوائف ؟


إنّ أول العقبات التي تتسبب في تفكك مجتمعاتنا وغياب المواطن/الفرد عن الفعل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعن تهميش دوره، إنما تعود إلى طبيعة الأنظمة السياسية السائدة في العالم العربي، إذ ما تزال هذه الأنظمة تضمر نظرة معادية لقيم الحداثة ومقولاتها والتي في رحابها يتكون هذا الفرد الحر. مما أدى إلى انهيار متوالٍ لبنى الدولة العربية لحساب البنى ما قبل الوطنية، القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية، التي بدأت تعمل حثيثاً لغير صالح الانتماء العام، بل لانبعاث الانتماء الجزئي الخاص وهيمنته بالتدريج على مقوّمات الدولة.

ويبدو أنه لم يأتِ على المجتمعات العربية ظرف موضوعي أو إنساني يفترض قيام شيء اسمه مؤسسة الحرية، باعتبارها هي أم المؤسسات المدنية والسياسية الأخرى كلها، طبقاً لما ذكره الدكتور مطاع الصفدي. فالعبور من مجتمع السديم الرعوي، شبه الابتدائي، إلى المجتمع القائم على تقسيم العمل لم يسجل فرصة لرؤية الحرية وهي تكلِّلُ شخصية الفرد قبل الجماعة، وتدعو للإنسان قبل الحزب، وتبحث عن تجلياتها في أبسط تفاصيل الحياة اليومية للجماعة قبل أن تأسرها الشعارات الشمولية. وهكذا، فإنّ المجتمع المهزوم في آماله الكبرى يتحول إلى بؤر من الأنانيات المغلقة ضد بعضها، متصارعة على المصالح المشروعة وغير المشروعة.

ويبدو أيضاً أنّ المشكلة الكبرى هي حالة دولة المدينة التي يعيشها العالم العربي، وما نتج عنها من ترييف المدن، حين لم تحاول الدولة العربية المعاصرة الاهتمام بأطرافها. وهذا بالطبع أثر على مسألة المواطنة، وبتنا اليوم أمام واقع عام تسود فيه سلوكيات الاستبداد وقيم الرأي الواحد، واقع لم تعد فيه الحقوق والمكتسبات والحريات والضمانات مكاسب مستقرة ودائمة، بل أصبح يُنظر إليها باعتبارها منحة مؤقتة يستطيع الحاكم سحبها متى شاء.

وفي المقابل هناك انتكاسة في المجتمع المدني وحركات التغيير الاجتماعي يتجلى في حرمان نشطاء الشأن العام من حقهم في التظاهر والتجمع السلمي، والتدخلات الأمنية والإدارية الفجة في انتخابات النقابات العمالية والاتحادات المهنية، ناهيك عن التدخل المكشوف بالانتخابات العامة، هذا فضلاً عما يتم من انتهاكات متكررة للدستور والقانون.

ونتيجة ذلك لا يحتاج المرء إلى كثير من التدقيق وإمعان النظر كي يلاحظ بأنّ البنى ما قبل الوطنية تنازع الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أدوارهما الشرعية التي يُفترض أن يؤدياها، فمثلاً ما يزال الفرد في كثير من الحالات يستجير بعشيرته لحمايته من عسف ما من جانب سلطة الدولة، عوضاً عن لجوئه إلى مؤسسة القضاء الرسمي للذود عنه، وما يزال يقصد نائب العشيرة أو الطائفة كي يساعده على تأمين وظيفة ما، بدلاً من أن يتوجه إلى نقابة مهنية أو رابطة عمالية متخصصة، وما يزال يستعين بدعم عشيرته أو طائفته إذا ما رغب في ترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية.

وما هذه الحالة إلا نتيجة لممارسات الدولة التسلطية التي تحتكر السلطة والثروة والقوة و" الحكمة " وصنع القرار، وبالتالي نفي المشاركة وإرادة الشعب واختياراته، وترجيح أهل الثقة على أهل الخبرة وتفضيل المؤيدين والمنافقين والمصفقين على المفكرين والمستقلين بالرأي والموقف.

وعليه فإنّ السؤال الذي طرحه الأستاذ ميشيل كيلو محقاً هو: لماذا تخلو حياتنا من حكم القانون، والمواطنة، وسيادة الشعب، والمشاركة، وحقوق الإنسان، والمؤسسية، والدولة الحديثة، والمجتمع المدني، والعدالة، والمساواة... الخ، ولماذا لا تعرف مجتمعاتنا درجة من الترابط والانصهار تحصّنها في وجه تحديات خارجية وداخلية متنوعة، وتبدو وكأنها على وشك الانفراط، بينما تكتسب الدولة طابعاً سلطوياً يجعلها برانية في نظر شعبها، كأنها لا تنتمي إليه بل إلى نمط الدول القهرية، الذي كرسه الاحتلال الأجنبي ؟

وبغض النظر عن اختلاف النظرة إلى أسباب التأخر الاجتماعي العربي، يجمع أغلب الباحثين على حقيقة مؤلمة هي أنّ مجتمعاتنا العربية ليست حديثة، وإنما أعادت إنتاج تأخرها في أشكال عصرية وحديثة أبقتها على هامش تقدم العالم. هنا أيضاً تكمن مصيبتنا في أننا لا نعي تأخرنا، فإن وعيناه اعتبرناه جزءاً من هويتنا، يجب التمسك به والدفاع عنه ضد حداثة تريد تغريبنا عن تاريخنا وديننا ومحددات وجودنا، أي هويتنا. ولا حاجة إلى القول: إنّ هذا النمط من الوعي هو تعبير فاضح عن انعدام الوعي المطابق لحاجات تقدمنا، وأنه يتكفل بإبقاء الكتلة الكبرى من المواطنين العرب خارج العصر وبمنأى عن مصالحها، ويدخل إلى رأسها مفاهيم مغلوطة لمعنى الوطن، والوطنية، والهوية، والدين، والحرية، والعدالة، والمساواة، والإنسان، فهو وعي التأخر الذي يضمن إدامته.

إنّ أبرز ما يميز التاريخ الداخلي لمجتمعاتنا في الخمسين سنة الماضية هو ظاهرة الاحتراب، إن بين مكوّنات هذه المجتمعات، أو حرب السلطات على مجتمعاتها وشعوبها اعتقالاً ونفياً أو قتلاً، أو تداخل كلتا الحربين معاً. والأدهى من هذه الحروب وطابعها التدميري النظر إليها من قبل أصحابها على أنها استمرار للسياسة بوسائل أخرى.

ولا شك أنّ الأصولية الدينية المتطرفة تلعب دوراً سلبياً، من خلال الوضع العام في المنطقة العربية، إذ نحن أمام صحوة انفعالية في الربط بين الدين والدولة. والحديث الذي يتردد تبدو مفرداته في كلمات من نوع المسلمون والمسيحيون، والشيعة والسنة، العرب والأكراد، أي أننا أصبحنا أمام حالة متوترة ينقّب فيها الجميع عن جذور الهويات الفرعية ويبحثون في الأصول الدينية والعرقية، وهو أمر يخلط الدولة القومية المعاصرة بالدولة الدينية التي يفترض أنها رحلت منذ قرون.

وهكذا لا تبدو المجتمعات العربية سائرة في طريق يتيح تكويناً حراً للمواطن، بل أنّ الأخطر هو أن يستمر زحف الانتماءات الفرعية الخاصة على كل ما هو عام ومشترك، لا سيما وأنّ المشهد العربي يقدم كل يوم دليلاً على تراجع الدولة لصالح الجماعات الجزئية التي يُفترض أنه قد جرى تجاوزها منذ عقود.

ولعل العودة إلى مفاهيم " الوعي المطابق " للمفكر السوري ياسين الحافظ يساعدنا في الاستعادة العقلانية النقدية، فالمستوى التاريخي في إنتاج وعي مطابق للواقع يومئ إلى أنّ الواقع العربي لم يحقق الثورة الديمقراطية، فهي هدف لابد منه لتحقيق الاندماج القومي في وجه التكسر الاجتماعي .. فالثورة الديمقراطية ضرورة داخلية تستدعيها " المواطنية " لتجاوز" الرعوية " و " الأموّية " لتجاوز " المللية "، حيث تحديث السياسة بالديمقراطية، وتحديث الثقافة بالعلمنة، من أجل صياغة وعي وطني حديث قادر على القبول بالتعدد والتنوع والمغايرة.

السيرة الذاتية لجمال عبد الناصر


إعداد: د. هدى جمال عبد الناصر

ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .

كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة .

جمال عبد الناصر فى المرحلة الابتدائية:

التحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه في عامي ١٩٢٣ ، ١٩٢٤ .

وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداى تايمز" – ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين ".

وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية .

جمال عبد الناصر فى المرحلة الثانوية:

التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .







وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.

ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.

ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات؛ حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وإني لأذكر أنى – في محاولة يائسة – ألقيت حجراً، لكنهم أدركونا في لمح البصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية.

ولما كنت في قسم البوليس، وأخذوا يعالجون جراح رأسي؛ سألت عن سبب المظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت للاحتجاج على سياسة الحكومة.

وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب".

ويعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦/١٠/١٩٥٤ ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثار في نفسه: "حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية. سرح بي الخاطر إلى الماضي البعيد ... وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشترك مع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة، وباسم مصر... أطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح من جرح، ولكن خرج من بين هؤلاء الناس شاب صغير شعر بالحرية وأحس بطعم الحرية، وآلي على نفسه أن يجاهد وأن يكافح وأن يقاتل في سبيل الحرية التي كان يهتف بها ولا يعلم معناها؛ لأنه كان يشعر بها في نفسه، وكان يشعر بها في روحه وكان يشعر بها في دمه". لقد كانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلى ثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر بسبب

تحكم الاستعمار وإلغاء الدستور. وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة.

وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.

وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء لـ "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين لـ "شارلز ديكنز".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية

كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.







وفى ١٩٣٥ في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصر دور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير" في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.

وقد شهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، ويكشف خطاب من جمال عبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ مكنون نفسه في هذه الفترة، فيقول: "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم. أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب الاستقلال والحرية... قال مصطفى كامل ' لو نقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحرك الأهرام من مكانه المكين أو تغير مجرى [النيل] فلن أتغير عن المبدأ ' ... كل ذلك مقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم فقد تكلمنا مرات عده في عمل يوقظ الأمة من غفوتها ويضرب على الأوتار الحساسة من القلوب ويستثير ما كمن في الصدور. ولكن كل ذلك لم يدخل في حيز العمل إلى الآن".(خطاب عبد الناصر لحسن النشار... ٤/٩/١٩٣٥).

ووبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح "صمويل هور" – وزير الخارجية البريطانية – في ٩ نوفمبر١٩٣٥ معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).

وعن آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمة له في جامعة القاهرة في ١٥ نوفمبر ١٩٥٢: "وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز. وفى هذا اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنساني ما أنا مصاب به، ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين في تحقيقه حتى يتحقق؛ وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء صرعى؛ فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر".

وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.

وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.

وقد كتب جمال في فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢ سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: "يقول الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فأين تلك القوة التي نستعد بها لهم؛ إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق...".

ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب "فلسفة الثورة" فقال: "وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور".

إلا أن اتحاد الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمان جمال عبد الناصر، على حد تعبيره في كتاب "فلسفة الثورة"، فإن الكلمة الواحدة التي اجتمعوا عليها كانت معاهدة ١٩٣٦ التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعد عسكرية لحماية وادي النيل وقناة السويس من أي اعتداء، وفى حال وقوع حرب تكون الأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصت المعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في السودان.

وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذه الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع ناظر المدرسة في قراره.

ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد الناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها ،"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية".

كذلك فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسلل إلى تفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد "بلفور" الذي منحت به بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.

جمال عبد الناصر ضابطاً:

لما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.

تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.

ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.

لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو "أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً"، وفعلاً أصبح "رئيس فريق"، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر. وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمال أي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى طالب.

تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي في يوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.

وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحة الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل "بونابرت" و"الإسكندر" و"جاليباردى" و"بسمارك" و"مصطفى كمال أتاتورك" و"هندنبرج" و"تشرشل" و"فوش". كما قرأ الكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخ ثورة ١٩١٩.

التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.

وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو ١٩٤٠ رقى إلى رتبة الملازم أول.

لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشاً غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد أكبر لتحرير شعبهم. وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقائه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط "عديمي الكفاءة وفاسدين"، ومن هنا اتجه تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد. وقد كتب لصديقه حسن النشار في ١٩٤١ من جبل الأولياء بالسودان: "على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دغرى لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح بالأذيال.

شخص هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن.. الرؤساء. الرؤساء يا حسن يسوءهم ذلك الذي لا يسبح بحمدهم.. يسوءهم ذلك الذي لا يتملق إليهم.. فهذه كبرياء وهم شبوا على الذلة في كنف الاستعمار.. يقولون.. كما كنا يجب أن يكونوا. كما رأينا يجب أن يروا.. والويل كل الويل لذلك... الذي تأبى نفسه السير على منوالهم... ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم متملقاً.. ويحزنني يا حسن أن أقول أننا نسير إلى الهاوية – الرياء – النفاق الملق - تفشى في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار. أما أنا فقد صمدت ولازلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم مستمر مع هؤلاء الكبار...". (خطاب عبد الناصر لحسن النشار..١٩٤١ ... ينشر لأول مرة)

وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.

ويذكر جمال عبد الناصر: "في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة".

وأثناء وجوده في العلمين جرت أحداث ٤ فبراير ١٩٤٢ حينما توجه السفير البريطاني – "السير مايلز لامسبون" – ليقابل الملك فاروق بسراي عابدين في القاهرة بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسلم الملك إنذاراً يخيره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك بلا قيد ولا شرط.

ويذكر جمال عبد الناصر أنه منذ ذلك التاريخ لم يعد شئ كما كان أبداً، فكتب إلى صديقه حسن النشار في ١٦ فبراير ١٩٤٢ يقول: "وصلني جوابك، والحقيقة أن ما به جعلني أغلى غلياناً مراً، وكنت على وشك الانفجار من الغيظ، ولكن ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خائفين. والحقيقة أنى أعتقد أن الإنجليز كانوا يلعبون بورقة واحده في يدهم بغرض التهديد فقط، ولكن لو كانوا أحسوا أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم ويقابلوا القوة بالقوة لانسحبوا كأي امرأة من العاهرات.

أما نحن. أما الجيش فقد كان لهذا الحادث تأثير جديد على الوضع والإحساس فيه، فبعد أن كنت ترى الضباط لا يتكلمون إلا عن النساء واللهو، أصبحوا يتكلمون عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس في سبيل الكرامة.

وأصبحت تراهم وكلهم ندم لأنهم لم يتدخلوا – مع ضعفهم الظاهر – ويردوا للبلاد كرامتها ويغسلوها بالدماء.. ولكن إن غداً لقريب.. حاول البعض بعد الحادث أن يعملوا شئ بغرض الانتقام، لكن كان الوقت قد فات أما القلوب فكلها نار وأسى. عموماً فإن هذه الحركة أو هذه الطعنة ردت الروح إلى بعض الأجساد وعرفتهم أن هناك كرامة يجب أن يستعدوا للدفاع عنها، وكان هذا درساً ولكنه كان درساً قاسياً". (خطاب عبد الناصر لحسن النشار... ١٦/٢/١٩٤٢).

ررقى جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في ٩ سبتمبر ١٩٤٢. وفى ٧ فبراير ١٩٤٣ عين مدرساً بالكلية الحربية. ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال "ليدل هارت" و"كلاوزفيتز"، كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل "كرومويل" و"تشرشل". وفى هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب.

وفى ٢٩ يونيه ١٩٤٤ تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم. لعبت تحية دوراً هاماً في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في ١٩٥١، ١٩٥٢.

تنظيم الضباط الأحرار:

شهد عام ١٩٤٥ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، ويقول جمال عبد الناصر في حديثة إلى "دافيد مورجان": "وقد ركزت حتى ١٩٤٨ على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".

وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٧ عقد الضباط الأحرار اجتماعاً واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.

وفى اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئاً يقيم في مصر الجديدة فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها. وقد أجابه المفتى بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية. وبعد بضعة أيام رفض العرض فتقدم بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسمياً بالاشتراك في الحرب. فسافر جمال إلى فلسطين في ١٦ مايو ١٩٤٨، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ (رائد) في أوائل عام ١٩٤٨.

لقد كان لتجربة حرب فلسطين آثاراً بعيدة على جمال عبد الناصر فعلى حد قولة: "فلم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفى أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه للاستجمام في غزه للملك فاروق.

وقد بدا أن القيادة العليا كانت مهمتها شيئاً واحداً هو احتلال أوسع رقعة ممكنة من الأرض بغض النظر عن قيمتها الإستراتيجية، وبغض النظر عما إذا كانت تضعف مركزنا العام في القدرة على إلحاق الهزيمة بالعدو خلال المعركة أم لا.

وقد كنت شديد الاستياء من ضباط الفوتيلات أو محاربي المكاتب الذين لم تكن لديهم أية فكرة عن ميادين القتال أو عن آلام المقاتلين.

وجاءت القطرة الأخيرة التي طفح بعدها الكيل حين صدرت الأوامر إلىّ بأن أقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، وقبل أن أبدأ في التحرك نشرت تحركاتنا كاملة في صحف القاهرة. ثم كان حصار الفالوجا الذي عشت معاركه؛ حيث ظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيراً من ناحية العدد حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة " في ٢٤ فبراير ١٩٤٩.

وقد جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى. ونظراً للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فإنه منح نيشان "النجمة العسكرية" في عام ١٩٤٩.

وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقاً أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش.

وقد أصبح مقتنعاً أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية ١٩٤٨ وحتى ١٩٥٢.

ووقد كان في نية جمال عبد الناصر القيام بالثورة في ١٩٥٥، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير.

وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرساً في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في ١٢ مايو ١٩٤٨. وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام ١٩٥٠، ١٩٥١.

وفى ٨ مايو ١٩٥١ رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى (مقدم) وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سراً في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية ١٩٥٢، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.

وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام ١٩٥٢ اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلاً بدئوا باللواء حسين سرى عامر - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.

ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سراً. والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلاً من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين. وفى تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.

ثم حدث حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢ بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجاً على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها ٤٦ شرطياً وجرح ٧٢. لقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت ١٢ ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر ٢٢ مليون جنيهاً.

وفى ذلك الوقت كان يجرى صراعاً سافراً بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرياسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر – رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة التي كان محدداً لها قبل ذلك عام ١٩٥٥، وتحرك الجيش ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها .

وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة - وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢ عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.

بيان الثورة:

وفى صباح يوم ٢٣ يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة التالي:

"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.

أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف؛ لأن هذا ليس في صالح مصر، وإن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس، وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم، والله ولى التوفيق".

وبعد نجاح الثورة بثلاثة أيام – أي في ٢٦ يوليه – أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفى اليوم التالي أعيد انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.

وفى ١٨ يونيه ١٩٥٣ صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ ٧ سبتمبر ١٩٥٢، أما جمال عبد الناصر فقد تولى أول منصباً عاماً كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.(قرار المجلس بإلغاء الملكية) .







تعيين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة:

وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء. وفيما يلي البيان الذي أذاعه المجلس بأسباب ذلك الخلاف في ٢٥ فبراير ١٩٥٤:

"أيها المواطنون

"لم يكن هدف الثورة التي حمل لواءها الجيش يوم ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢ أن يصل فرد أو أفراد إلى حكم أو سلطان أو أن يحصل كائن من كان على مغنم أو جاه، بل يشهد الله أن هذه الثورة ما قامت إلا لتمكين المُثل العليا في البلاد بعد أن افتقدتها طويلاً نتيجة لعهود الفساد والانحلال.

لقد قامت في وجه الثورة منذ اللحظة الأولى عقبات قاسية عولجت بحزم دون نظر إلى مصلحة خاصة لفرد أو جماعة، وبهذا توطدت أركانها واطرد تقدمها في سبيل بلوغ غاياتها.

ولا شك أنكم تقدرون خطورة ما أقيم في وجه الثورة من صعاب، خاصة والبلاد ترزح تحت احتلال المستعمر الغاصب لجزء من أراضيها، وكانت مهمة مجلس قيادة الثورة في خلال هذه الفترة غاية في القسوة والخطورة، حمل أفراد المجلس تلك التبعة الملقاة على عاتقهم ورائدهم الوصول بأمتنا العزيزة إلى بر الأمان مهما كلفهم هذا من جهد وبذل.

ومما زاد منذ اللحظة الأولى في قسوة وخطورة هذه التبعة الملقاة على أعضاء مجلس قيادة الثورة أنهم كانوا قد قرروا وقت تدبيرهم وتحضيرهم للثورة في الخفاء قبل قيامهم أن يقدموا للشعب قائداً للثورة من غير أعضاء مجلس قيادتهم وكلهم من الشبان، واختاروا فعلاً فيما بينهم اللواء أركان حرب محمد نجيب ليقدم قائداً للثورة، وكان بعيداً عن صفوفهم، وهذا أمر طبيعي للتفاوت الكبير بين رتبته ورتبهم، وسنه وسنهم، وكان رائدهم في هذا الاختيار سمعته الحسنة الطيبة وعدم تلوثه بفساد قادة ذلك العهد.

وقد أخطر سيادته بأمر ذلك الاختيار قبل قيام الثورة بشهرين اثنين ووافق على ذلك.

وما أن علم سيادته بقيام الثورة عن طريق مكالمة تليفونية بين وزير الحربية فى ذلك الوقت السيد مرتضى المراغى وبينه وفى منزله حتى قام إلى مبنى قيادة الثورة واجتمع برجالها فور تسلمهم لزمام الأمور.

ومنذ تلك اللحظة أصبح الموقف دقيقاً؛ إذ أن أعمال ومناقشات مجلس قيادة الثورة استمرت أكثر من شهر بعيدة عن أن يشترك فيها اللواء محمد نجيب إذ أنه حتى ذلك الوقت وعلى وجه التحديد يوم ٢٥ أغسطس سنة ١٩٥٢ لم يكن سيادته قد ضم إلى أعضاء مجلس الثورة.

وقد صدر قرار المجلس فى ذلك اليوم بضمه لعضويته كما صدر قرار بأن تسند إليه رئاسة المجلس بعد أن تنازل له عنها البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر الذى جدد انتخابه بواسطة المجلس قبل قيام الثورة كرئيس للمجلس لمدة عام ينتهى فى أخر أكتوبر سنة ١٩٥٢.

نتيجة لذلك الموقف الشاذ ظل اللواء محمد نجيب يعانى أزمة نفسية عانينا منها الكثير رغم قيامنا جميعاً بإظهاره للعالم أجمع بمظهر الرئيس الفعلى والقائد الحقيقى للثورة ومجلسها مع المحافظة على كافة مظاهر تلك القيادة.

وبعد أقل من ستة شهور بدأ سيادته يطلب بين وقت وآخر من المجلس منحه سلطات تفوق سلطة العضو العادى بالمجلس، ولم يقبل المجلس مطلقاً أن يحيد عن لائحته التى وضعت قبل الثورة بسنين طويلة إذ تقضى بمساواة كافة الأعضاء بما فيهم الرئيس فى السلطة، فقط إذا تساوت الأصوات عند أخذها بين فريقين فى المجلس فترجح الكفة التى يقف الرئيس بجانبها.

ورغم تعيين سيادته رئيساً للجمهورية مع احتفاظه برئاسة مجلس الوزراء ورئاسته للمؤتمر المشترك إلا أنه لم ينفك يصر ويطلب بين وقت وأخر أن تكون له اختصاصات تفوق اختصاصات المجلس، وكان إصرارنا على الرفض الكلى لكى نكفل أقصى الضمانات لتوزيع سلطة السيادة فى الدولة على أعضاء المجلس مجتمعين.

وأخيراً تقدم سيادته بطلبات محددة وهى:

أن تكون له سلطة حق الاعتراض على أى قرار يجمع عليه أعضاء المجلس، علماً بأن لائحة المجلس توجب إصدار أى قرار يوافق عليه أغلبية الأعضاء.

كما طلب أن يباشر سلطة تعيين الوزراء وعزلهم وكذا سلطة الموافقة على ترقية وعزل الضباط وحتى تنقلاتهم؛ أى أنه طالب إجمالاً بسلطة فردية مطلقة.

ولقد حاولنا بكافة الطرق الممكنة طوال الشهور العشرة الماضية أن نقنعه بالرجوع عن طلباته هذه التى تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق، وهو ما لا يمكن نرضاه لثورتنا، ولكننا عجزنا عن إقناعه عجزاً تاماً وتوالت اعتكافاته بين وقت وأخر حتى يجبرنا على الموافقة على طلباته هذه، إلى أن وضعنا منذ أيام ثلاثة أمام أمر واقع مقدماً استقالته وهو يعلم أن أى شقاق يحدث فى المجلس فى مثل هذه الظروف لا تؤمن عواقبه.

أيها المواطنون

لقد احتمل أعضاء المجلس هذا الضغط المستمر فى وقت يجابهون فيه المشاكل القاسية التى تواجه البلاد والتى ورثتها عن العهود البائدة.

يحدث كل ذلك والبلاد تكافح كفاح المستميت ضد مغتصب فى مصر والسودان وضد عدو غادر يرابط على حدودها مع خوضها معركة اقتصادية مريرة وإصلاحاً لأداة الحكم وزيادة الإنتاج إلى أخر تلك المعارك التى خاضتها الثورة ووطدت أقدامها بقوة فى أكثر من ميدان من ميادينها.

واليوم قرر مجلس قيادة الثورة بالإجماع ما يلى:

أولاً: قبول الاستقالة المقدمة من اللواء أركان حرب محمد نجيب من جميع الوظائف التى يشغلها.

ثانياً: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر فى تولى كافة سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن أرض الوطن.

ثالثاً: تعيين البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس الوزراء.

ونعود فنكرر أن تلك الثورة ستستمر حريصة على مُثلها العليا مهما أحاطت بها من عقبات وصعاب، والله كفيل برعايتها إنه نعم المولى ونعم النصير، والله ولى التوفيق".

وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف فقبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في ٢٧ فبراير ١٩٥٤.

ثم بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً مسبقاً بحلها في ١٤ يناير ١٩٥٤، (قرار المجلس بحل جماعة الإخوان المسلمين) وقد تورط أيضاً بعض عناصر النظام القديم في هذه الأحداث.

ووقد تجلى الصراع داخل مجلس قيادة الثورة في هذه الفترة في القرارات التي صدرت عنه وفيها تراجعاً عن المضى في الثورة، فأولاً ألغيت الفترة الانتقالية التي حددت بثلاث سنوات، وتقرر في ٥ مارس ١٩٥٤ اتخاذ الإجراءات فوراً لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المباشر على أن تجتمع في يوليه ١٩٥٤ وتقوم بمناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقاً لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية. وفى نفس الوقت تقرر إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحافة والنشر.

وثانياً: قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيساً للمجلس ورئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.

وأخيراً قرر مجلس قيادة الثورة في ٢٥ مارس ١٩٥٤ السماح بقيام الأحزاب وحل مجلس قيادة الثورة يوم ٢٤ يوليه ١٩٥٤ أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية. (قرار المجلس بالسماح بقيام أحزاب).

وبالرغم من إلغاء مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات في ٢٩ مارس ١٩٥٤ (قرار المجلس بإرجاء تنفيذ قرارات ٢٥ مارس ١٩٥٤) إلا أن الأزمة التي حدثت في مجلس قيادة الثورة أحدثت انقساماً داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيى الدين وبين جمال عبد الناصر وباقي الأعضاء.

وقد انعكس هذا الصراع على الجيش، كما حاول السياسيون استغلاله وخاصة الإخوان المسلمين وأنصار الأحزاب القديمة الذين كانوا فى صف نجيب وعلى اتصال به.

وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.

وفى ٢٤ يونيه ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثورة.

وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.

وظل جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.

الوحدة العربية ...... وعجبى‏

مني بطاقتي الشخصية


ليتأكد أني عربية



وبدأ يفتش حقيبتي وكأني أحمل

قنبلة ذرية



وقف يتأملني بصمت ... سمراء وملامحي ثورية

فتعجبت لمطلبه وسؤاله عن الهوية



كيف لم يعرف من عيوني أني عربيه

أم أنه فضل أن أكون أعجمية

لأدخل بلاده دون إبراز الهوية



وطال انتظاري وكأني لست في بلاد عربية

أخبرته أن عروبتي لا تحتاج لبطاقة شخصية

فلم انتظر على هذه الحدود الوهمية؟



وتذكرت مديح جدي لأيام الجاهلية

عندما كان العربي يجوب المدن العربية

لا يحمل معه سوى زاده ولغته العربية



وبدأ يسألني عن أسمي ... جنسيتي

وسر زيارتي الفجائية

فأجبته أن اسمي وحدة

جنسيتي عربية ... سر زيارتي تاريخية



سألني عن مهنتي وإن كان لي سوابق جنائية

فأجبته أني إنسانة عادية

لكني كنت شاهدا على اغتيال القومية



سأل عن يوم ميلادي وفي أي سنة هجرية

فأجبته أني ولدت يوم ولدت البشرية



سألني إن كنت أحمل أي أمراض وبائية

فأجبته أني أصبت بذبحة صدرية

عندما سألني ابني عن معنى الوحدة العربية



فسألني أي ديانة أتبع الإسلام أم المسيحية

فأجبته بأني أعبد ربي بكل الأديان السماوية

فأعاد لي أوراقي حقيبتي وبطاقتي الشخصية



وقال عودي من حيث أتيت

فبلادي لا تستقبل الحرية

بيان رابطة العرب الوحدويين الناصريين

يتشرف موقع حركة الناصريين المستقلين - قوات المرابطون في نشر بيان اشهار رابطة العرب الوحدويين الناصريين التالي نصه:




يعلم الجميع ان التيار الناصري يبذل مجهودا واضحا في توحيد الحركة الناصرية واقامة التنطيم القومي الجامع الذي يلتقي حوله الناصريين في كل ارجاء الوطن العربي, ومن اجل تحقيق هذا الهدف قام المؤتمر الناصري العام وبدأ مسيرته التوحيدية بالرغم من كل العقبات التي واجهته ولا تزال تواجهه الى ان اصبح إطارا امتد الى كل الساحات العربية يلتقي في مؤتمر سنوي ويمارس دعوته في حوار بناء بعد ان انهى عملا فكريا واضحا في اصدار الوثيقة الفكرية الناصرية قاعدة فكرية يلتقي حولها كل الناصريين.



لقد دعى منتدى الفكر القومي العربي منذ تأسيسه الى وحدة الحركة الناصرية وساهم من خلال المؤتمر الناصري العام في التأكيد على هذه الدعوة مطلبا شعبيا ناصريا ولا يزال يمارس نشاطه في تجميع التيار الناصرية وبث روح ثقافة التوحيد الناصري قناعة منه في ضرورة العمل الناصري الواحد والموحد.



ولما كان هدف منتدى الفكر القومي العربي من خلال الحوار وتعميقه داخل التيار الناصري وخارجه محاولة على طريق تحقيق الوحدة الفكرية الناصرية ,التقى حوله مجموعة من اعضاء التيار الناصري الكبير المؤمنين بمواصلة العمل الجاد والفاعل من اجل نشر الفكر القومي الوحدوي وتعميقه تمهيدا لبناء التنظيم القومي الواحد من خلال التنسيق الكامل مع المؤتمر الناصري العام وغيره من الفعاليات الناصرية الممتدة في كل ارجاء الوطن العربي, رأينا ان نقيم تجمعا لمواصلة الحوار وتفعيله بين اعضاء المنتدى مؤكدين على ان رابطة العرب الوحدويين الناصريين ليست تننظيما او حزبا سياسيا بل تجمعا يضم بين صفوفه عدد من الناصرين الذين التقوا في منتدى الفكر القومي العربي مؤكدين على ما يلي :



دعم ومساندة المؤتمر الناصري العام في سعيه الجاد لتوحيد الحركة الناصرية.



لا تعارض بين الإنتماء الى الرابطة مع اي انتماء الى اي حزب او تنظيم ناصري



العمل على جمع المفكرين الناصريين في المنتدى والحوار معهم وحثهم على العمل من اجل توحيد التيار الناصري



الإتصال بجميع التنظيمات والحركات الناصرية من اجل رفع شعار التوحيد الناصري كي يكون من اولويات عملها وعلى رأس اجندتها



العمل على تفعيل حركة كل الناصريين في كل المجالات من خلال الإتصال واللقاء بهم



القيام بالتعبير عن الرأي والإعلان عنه حول مختلف القضايا السياسية والفكرية وفي المناسبات القومية



المشاركة في كل الفعاليات القومية التي تقام في مختلف الساحات العربية والتفاعل الإيجابي معها.



التصدي لكل محاولة تسعى لشق الحركة الناصرية والعمل على تفتيتها وشرذمتها وإخراجها عن مسار الفكر والعمل الناصري الى متاهات تتعارض مع قناعتنا الناصرية



الإشراف على منتدى الفكر القومي العربي في طرحه وحركته ومتابعة نشاطه



المسؤولية الإدارية والتنظيمية تقع على عاهل لجنة يتم انتخابها من اعضاء الرابطة لفترة سنة .



ولا يسعنا هنا ونحن نعلن عن قيام رابطة العرب الوحدويين الناصريين إلا ان نؤكد على التزامنا الكامل بمبادىء ثورة يوليو المجيدة في الحرية والإشتراكية والوحده والتي قاد نضالها ومات من اجلها القائد جمال عبد الناصر.



من هنا فـإننا نتوجه الى كل الإخوة والإخوات من التيار الناصري الإلتحاق بعضوية الرابطة والتفاعل معها في اطار منتدى الفكر القومي العربي كي نعمل جميعا من اجل تحقيق اهداف امتنا من خلال العمل على اثراء الحوار والعمل المشترك الهادف بعيدا عن كل ما يعطل المسيرة الناصرية بالوقوف صفا واحدا متجاوزين كل ما يؤثر في اضعاف حركتها وتأثيرها.



ليست هي ساعة للفرقة بل ساعة للعمل والوحدة .



رابطة العرب الوحدويين الناصريين



لقاء تاريخى بين حزبى الكرامة والناصرى : الاتفاق على لجنة مشتركة للتنسيق الناصرى وحمدين صباحى كمرشح شعبي للرئاسة


استكمالا لجولات الحوار والمشاورات السياسية التى بدأها حزب الكرامة مؤخرا مع القوى والأحزاب والحركات السياسية ، قام وفد من حزب الكرامة مساء اليوم الأحد 30 مايو بزيارة لمقر الحزب الناصرى التقى فيها وفد الكرامة الذى ضم كل من : حمدين صباحى المرشح الشعبى للرئاسة ، أمين إسكندر وكيل مؤسسى الكرامة ، محمد بيومى المنسق العام للكرامة ، محمد سامى المنسق العام السابق للحزب ، حسام مؤنس المنسق العام لحملة دعم حمدين صباحى مرشحا شعبيا للرئاسة وشادى التوارجى عضو لجنة التنسيق المركزية بالكرامة والناشط بحملة دعم صباحى بوفد من الحزب الناصرى الذى ضم كل من : أحمد حسن الأمين العام للحزب ، ومحمد أبو العلا نائب رئيس الحزب ، وتوحيد البنهاوى وأحمد عبد الحفيظ وغريب الدماطى ويسرى فتيان من قيادات الحزب الناصرى .

شهد اللقاء أجواء حميمية واستقبال كريم من جانب قيادات الناصرى ، وأكد الطرفين فى بداية اللقاء على تأخر هذا اللقاء كثيرا وأن الطرفين تجاوزا جميع الخلافات التنظيمية التاريخية ، وأكد قيادات الكرامة على أن الحزب الناصرى هو بيت كل الناصريين فى مصر والوطن العربى ، وأن المواقف السياسية لكلا من الناصرى والكرامة كانت دائما متقاربة طوال السنوات السابقة .. وقال حمدين صباحى أن على الجميع العمل من أجل توحيد التيار الناصرى على أرضية التنسيق والفعل المشترك مع قبول واقع التعدد التنظيمى الراهن .

ورحب أحمد حسن ومحمد أبو العلا باللقاء والتنسيق المستمر مع الكرامة مؤكدين موافقتهم الكاملة على فكرة تشكيل لجنة مشتركة بين الطرفين تتسع لتضم باقى أطراف التيار الناصرى بحيث تتجاوز تلك اللجنة أخطاء المحاولات السابقة للتنسيق وترتب أجندة عمل مشتركة من اجل التغيير الجذرى فى مصر .

ودعا المهندس محمد سامى لضرورة استعادة قوة التيار الناصرى ودوره فى الشارع خاصة أن مشروع التيار الناصرى لا يزال الأقرب لفئات الشعب المصرى من العمال والفلاحين وغيرهم .

وشرح أمين إسكندر أهمية فكرة طرح حمدين صباحى مرشحا شعبيا للرئاسة ودورها فى ترسيخ فكرة تعدد المرشحين المحتملين المطروحين وبناء كتلة شعبية للتغيير .. كما شدد محمد بيومى على العلاقة السياسية والفكرية بين الحزب الناصرى والكرامة مؤكدا على ضرورة توحد القوى الوطنية وفى القلب منها التيار الناصرى من أجل مواجهة النظام وسياساته والنضال المشترك من أجل التغيير .

وقد أوضح حمدين صباحى خلال الجلسة أهمية ضرورة صياغة علاقة ايجابية بين جميع أطراف الحركة الوطنية حتى وان كانت هناك تفاوتات فيما بينها .

من جانبهم رحب قيادات الحزب الناصرى بطرح حمدين صباحى مرشحا شعبيا للرئاسة ، مؤكدين أنهم كانوا ناقشوا الأمر من قبل مع حمدين وقدموا له بعض الاقتراحات والأفكار ، وقالوا أنهم يثقون فى تاريخ حمدين النضالى ومواقفه السياسية وتعبيره عن المشروع القومى الناصرى وثوابته ، وأن الحزب الناصرى سيدعم حق حمدين كمرشح شعبى ، وطالبوا بسرعة اعداد برنامج انتخابى يطرحه حمدين كمرشح شعبى للرئاسة وأن يتم الحوار والتشاور حوله بحيث يكون حمدين صباحى وبرنامجه مرشحا معبرا عن التيار الناصرى . وتم الاتفاق على أن يتم طرح مشروع البرنامج الذى يجرى اعداده حاليا على الحزب الناصرى للتشاور والحوار حوله .

كما شدد أحمد حسن الأمين العام على أهمية الحوار والتنسيق المستمر مشيرا لأهمية أن يكون من بين مهام اللجنة المشتركة بحث الموقف فى حالة عدم تعديل الدستور وعدم تمكن صباحى من خوض الانتخابات الرئاسية رسميا فى ظل ما سيكون مطروحا من بدائل واحتمالات وقتها .

وأكد قيادات الحزب الناصرى على تقديرهم لتاريخ صباحى ورفاقه ، وأنهم لم ولن يكونوا أبدا محل هجوم من جانب قيادات الحزب الناصرى وأعضائه .

وفى نهاية اللقاء اتفق الطرفين على عرض النتائج التى توصلوا اليها على مستويات الحزبين التنظيمية لاقرارها ، وبدء تفعيل تشكيل اللجنة المشتركة للتنسيق الناصرى خلال الشهر الجارى